الوصول إلى بينانج- التفكير في الوطن

5th June 2010

القبطان صالح الجابري


يتحدث قبطان جوهرة مسقط عن وصول الجوهرة إلى ماليزيا والإعصار الذي ضرب السلطنة.

Captain-Saleh-at-sunset

كانت الأيام القليلة التي سبقت وصولنا إلى ميناء بينانج من أصعب الأوقات التي قضيناها في عرض البحر

أنت تحلم بحمام دافئ، ووجبة ساخنة، والنوم لفترة طويلة على سرير مريح. بيد أن الطبيعة تلعب بعواطفك، حيث أن أنماط الرياح المتغيرة غير المتوقعة تمنعك من إحراز أي تقدم على الإطلاق. تشعر أنك قريب جدا، وبعيد جدا في نفس الوقت.

تلك كانت تجربتنا ومشاعرنا لدى اقترابنا من ميناء جورج تاون. في البداية، كانت الأمور تبدو وكأننا سنصل في التاسع والعشرين من مايو، ثم توقفت السفينة، حيث كانت التيارات المائية تسير ضدنا، لدرجنا أننا وجدنا أنفسنا نسير إلى الخلف في بعض الأحيان. وكان ذلك اختبار حقيقي لمدى صبرنا.

ثم تعرضنا لعاصفة مطيرة وكانت سرعة الرياح تزيد عن 30 عقدة، مما أدى إلى كسر العارضة السفلية للشراع الرئيسي. ومع ذلك لم نستطع استخدام الرياح لمصلحتنا. ولم نكن قريبين من الشاطئ، وفقدنا عارضة شراع.

لقد كانت هذه أصعب مراحل الرحلة حتى الآن. لقد وصلت أقصى سرعة للجوهرة إلى أكثر من 11 عقدة، ووصلت الإثارة إلى قمتها في تلك اللحظة. لقد واجهنا كل شيء، من صعوبة الأحوال الجوية إلى حالة السكون الرهيبة، ثم شعورنا بالاقتراب من الميناء ومع ذلك كنا بعيدين جدا عن ابتسامات أحبائنا الذين كانوا ينتظروننا هناك.

ووسط كل هذه المشاعر والظروف، اثبت أفراد طاقم الجوهرة أنهم فعلا فريق أحلام. فخلال الإيجازات اليومية على متن الجوهرة، كان كل فرد من أفراد الطاقم يسأل كيف يمكنه أن يساعد أكثر، إن روح الفريق والصداقة الحميمة فوق سطح الجوهرة كانت لا تقدر بأي ثمن.

نعم لقد كانت هذه المرحلة بمثابة اختبارا حقيقيا، بل وكانت مرعبة في بعض الأحيان، لكنها أوجدت أسرة من الأخوة من مجموعة من أكثر من ست جنسيات، بيد أن الجميع انصهروا في رجل واحد.

شعرنا جميعا بسعادة غامرة بوصولنا إلى البر بعد واحدة من أخطر محطات الرحلة حتى الآن. وفي الواقع، لا شيء يساوي مشاهدة الابتسامات الجميلة التي كانت تعلو وجوه أحبائنا الذين كانوا في انتظارنا في الميناء. لقد فرحنا لدى رؤية أناس نعرفهم يرحبون بنا في مرسى تانيونج مثل سعادة السفيرة ليوثا المغيرية، رئيسة دائرة مكتب معالي أمين عام وزارة الخارجية، وسعادة السفير أفلح بن سليمان محمد الطائي السفير العماني لدى ماليزيا، وأولئك الذين نراهم لأول مرة في بينانج مثل وزير بينانج الأول توان ليم جوان، وعدد من المسئولين من مفوضية ميناء بينانج وهيئة بينانج للسياحة العالمية.

كما شعرنا بارتياح شديد لدى اتصالنا بأسرنا في وطننا في سلطنة عمان التي تعرضت لعاصفة مدارية أثرت على سواحلها.لقد أعد مضيفونا في بينانج برنامجا حافلا للترحيب بنا، حيث حفلات الغداء والجولات السياحية ومآدب العشاء التي تتخللها رقصات رائعة لفرق تقليدية ماليزية، وكلمات رسمية من كبار الشخصيات بما فيهم سعادة السفيرة ليوثا المغيرية والمفوض السامي السنغافوري، والسكرتير الأول والتر تشيا. لقد استمتع أفراد الطاقم جميعا بكل هذه الفعاليات والوجبات الشهية، فضلا عن زيارة الأسواق المبهرة والمأكولات الماليزية المشهورة في الشوارع.

إذا سألت أحد السكان عن أهم ما تتصف به بينانج، سوف يقول لك على الفور إنها الأطعمة والتسوق.
مما لا شك فيه أن بينانج تعتبر بوتقة انصهار لكافة الثقافات واللغات والشعوب. تسمع الكثير من اللغات الشائعة مثل المالاي، والإنجليزية، والعديد من اللهجات الصينية والهندية. كما تجد العديد من المعابد البوذية والتاوية والهندوسية، والمساجد الإسلامية والكنائس المسيحية. كما أن بينانج تحتفل بالأجازات الخاصة لكل من هذه الطوائف طوال العام.

تشتهر بينانج بمأكولات الشوارع، والأطباق المحلية اللذيذة مثل شربة لاكسا الحارة، ومعجنات أرز شار كواي تيوا الغنية بالتوابل الحريفة والحارة، فضلا عن المأكولات البحرية. ثم، هناك فاكهة ديوريان وهي ثمرة تشبه البطيخ لكن رائحتها فظيعة وممنوعة في معظم الفنادق والمطاعم. لكن، إذ استطعت التغلب على الرائحة فإنك ستستمتع بطعمها الرائع. عندما تكون على اليابسة تسنح لك الفرصة للتدبر والتفكير في كل ما حدث خلال الرحلة. مما لا شك فيه أن المخاطر لم تنته بعد، فمازال يتعين علينا عبور مضيق ملقة الذي يعتبر واحدا من أكثر خطوط الملاحة ازدحاما في العالم. سوف نتوقف كل ليلة توخيا للحذر فقط. لكننا في واقع الأمر تجاوزنا أكبر التجارب والصعاب في البحار المفتوحة، لأن المحطتين القادمتين قصيرتان جدا بالمقارنة بالمحطات الثلاث السابقة.

تشتهر بينانج بمأكولات الشوارع، والأطباق المحلية اللذيذة مثل شربة لاكسا الحارة، ومعجنات أرز شار كواي تيوا الغنية بالتوابل الحريفة والحارة، فضلا عن المأكولات البحرية. ثم، هناك فاكهة ديوريان وهي ثمرة تشبه البطيخ لكن رائحتها فظيعة وممنوعة في معظم الفنادق والمطاعم. لكن، إذ استطعت التغلب على الرائحة فإنك ستستمتع بطعمها الرائع. عندما تكون على اليابسة تسنح لك الفرصة للتدبر والتفكير في كل ما حدث خلال الرحلة. مما لا شك فيه أن المخاطر لم تنته بعد، فمازال يتعين علينا عبور مضيق ملقة الذي يعتبر واحدا من أكثر خطوط الملاحة ازدحاما في العالم. سوف نتوقف كل ليلة توخيا للحذر فقط. لكننا في واقع الأمر تجاوزنا أكبر التجارب والصعاب في البحار المفتوحة، لأن المحطتين القادمتين قصيرتان جدا بالمقارنة بالمحطات الثلاث السابقة.

ومع اقترابنا من سنغافورة سوف تزداد الإثارة شيئا فشيئا حيث ستسنح لنا الفرصة لتقديم هذه الهدية من سلطنة عمان إلى شعب سنغافورة. وستبقى دعواتنا لجميع أحبائنا في وطننا الحبيب في سلطنة عمان. سنظل نفكر فيهم خلال المحطة المقبلة من هذه الرحلة بوجه خاص، وسنرفع علم بلدنا بالنيابة عنهم، وبالنيابة عن سلطنة عمان بأكملها..

< السابق  |   التالي >