التفكير في الجوهرة
19th June 2010
بينما تغادر جوهرة مسقط ميناء بينانج، تختلج في نفسي بعض الذكريات والأفكار حول مغزى هذه الرحلة التاريخية.
فبعد أن أمضت أسبوعين كاملين في بينانج، أبحرت جوهرة مسقط اليوم في المرحلة الأخيرة من رحلتها إلى سنغافورة التي استغرقت خمسة أشهر. وقد قام أفراد طاقم الجوهرة صباح اليوم بشحن المؤن ووضع اللمسات النهائية استعدادا للإبحار. وفي الساعة التاسعة صباحا، استمتع الجميع بحفل استقبال وفطور أعرب خلاله عدد كبير من المتحدثين، بمن فيهم الفاضل على أحمد نائب السفير العماني لدى ماليزيا، عن أطيب أمنياتهم للقبطان صالح الجابري وأفراد الطاقم برحلة سالمة وآمنة إلى سنغافورة. بدأت الجوهرة مراسم المغادرة في الساعة العاشرة صباحا، بيد أنه ونتيجة للتيارات القوية، وضيق المكان، احتاجت الجوهرة إلى ساعة ونصف للخروج من الميناء والدخول إلى القناة. ولحسن الطالع، كان معنا الملاح الماليزي الماهر سيابيل أقمر سعيد الذي لعب دورا رائعا في مساعدة الجوهرة على الدخول إلى المياه المفتوحة بسلام.
مازالت الرياح خفيفة ومتغيرة منذ مغادرة بينانج، لكننا استطعنا قطع حوالي 45 ميلا منذ ظهر اليوم- ليتبقى 120 ميلا إلى ميناء كلانج. وكما توقعنا، نرى أضواء العديد من السفن وهي تزين الأفق في الليل، لذلك، فإننا نتقدم نحو الجنوب عبر مضيق ملقة بالمزيد من اليقظة والحذر.
يتمثل أحد الجوانب الممتعة لوجودنا في الميناء في حقيقة أنه سنحت لنا الفرصة للحديث إلى العديد من الأشخاص الذين جاءوا خصيصا لزيارة جوهرة مسقط. واستمتعنا بشكل خاص بزيارة مجموعة من التلاميذ الذي أخذهم الحماس الشديد لطرح كل ما يدور بمخيلتهم من أسئلة عن الجوهرة، والإبحار بها والحياة على سطحها. كما سعدنا بتلقي الكثير من الرسائل والبطاقات ممن شاهدوا السفينة في المواني السابقة أو على هذا الموقع. على سبيل، تلقينا خلال وجودنا على الشاطئ رسالة من ريا سينج طالبة الصف التاسع بالمدرسة الدولية الأمريكية في مسقط. كانت الطالبة سينج قد زارت جوهرة مسقط مع زميلاتها خلال مراحل بناء السفينة على ساحل قنتب في سلطنة عمان. هذه الرسالة مثيرة للغاية ومليئة بالأفكار التي جعلتنا نقرر مشاركة مقتطفات منها معكم.
“هناك بعض الأشياء التي تحدث في الحياة لا يمكن للمرء أن ينساها أبدا، لأنها تحدث علامة في قلبه. أحد هذه الأشياء التي لا يمكن أن أنساها أنا شخصيا هي جوهرة مسقط.””ليست جوهرة مسقط مجرد سفينة تبحر إلى سنغافورة، إنها رمز للسلام والصداقة بين الدول. وما يستحق الإشادة والتصفيق أن تقوم دولة بإعادة بناء بقايا أقدم سفينة في المحيط الهندي، ثم تبحر بها عبر أكبر المحيطات لكي تقدمها كهدية لدولة أخرى.”
والأكثر من ذلك، أنه بينما تنخرط الكثير من الدول في حروب، أطلقت دولتان مبادرة للسلام. إن حدث كهذا يصبح علامة فارقة نحتفل بها إلى الأبد. ولا شك أن أفراد طاقم الجوهرة يفعلون شيئا لم يجرؤ أحد على القيام به في التاريخ الحديث- إنه الإبحار بسفينة من القرن التاسع من سلطنة عمان إلى سنغافورة لهدف واحد وهو الصداقة.” “لقد تأثرت جدا بمشروع إعادة بناء السفينة لأنه يدل على قوة الإرادة. كما أنه يعكس تصميم أفراد الطاقم على بناء سفينة أعتقد كثيرون أنه شبه مستحيل، بل والإبحار بها. والأهم من ذلك أن السفينة بنيت من أجل الصداقة وليس من أجل الاستعراض. إنني أعتبر سلطنة عمان بلدي، كما أن حقيقة أنها تفعل الكثير من أجل الصداقة والوئام تجعلني أكثر فخرا بها.”
“لم تكن رؤية السفينة مصدر إلهام بالنسبة لي لكي أفعل شيئا على نفس المنوال، لكنها علمتني الكثير عن الصبر والجلد. لقد تعلمت أنه لا شيء مستحيل. إذا استطاع العمانيون بناء هذه السفينة الرائعة بدون أي براغي أو مسامير، فلماذا لا أحصل على تقدير “ممتاز” في إحدى المواد الدراسية الصعبة، أو أتوقف عن الجدال مع أخي؟ إننا كبشر أحيانا ما ننغمس في أشياء شخصية كثيرة بدرجة تجعلنا لا نلاحظ الأشياء المحيطة بنا ولا نقدرها. بيد أنني بعد أن شاهدت جوهرة مسقط، أدركت تماما أنه ينبغي علينا أن ننظر حولنا لنرى مثل هذه الأشياء.”
“قال عازف الجيتار المشهور جيمي هينركس، “عندما تتغلب قوة الحب على حب القوة، حينها سوف يعرف العالم معنى السلام.” إننا لا نفكر إلا في أنفسنا لدرجة أننا نادرا ما نفكر فيمن حولنا، ولا في علاقاتنا معهم. إن النظر إلى جوهرة مسقط يجلب السعادة إلى قلبي. وإذا تأملت فيها في صمت، ربما لا أحبس دموع عيني التي ستنهمر إزاء الجانب السماوي فيها. إن التغلب على الكثير من المصاعب من أجل تعزيز روابط الصداقة الدولية هو بحق صنع السلام في العالم.”
ريا سنج شكرا لك ريا على رسالتك الرقيقة وعلى تشجيعك لنا. إننا جميعا على متن جوهرة مسقط نرى أن هذه الرحلة تمثل مهمة سلام، ويشرفنا أن نشارك فيها.