قصة الصياد
26th May 2010
مدونة السفينة بقلم روبرت جاكسون
إنه يوم هادئ مع انخفاض الرياح مما يعطي للمرء الوقت الكاف للتفكير في الدروس المستفادة من الرحلة.
كتب الشاعر سي روبرت هيلتون قائلا، “إن حياة البحر هي مجرد حياة، بهدوئها تارة وعواصفها وشعابها تارة أخرى وشواطئها المضيافة.” وحيث أننا أخذنا نصيبنا من العواصف على متن جوهرة مسقط خلال هذه المحطة، فمن الإنصاف والعدل أن نتوقع بعض الهدوء، وهذا ما عشناه اليوم بالفعل، فالسماء صافية، مع ارتفاع درجات الحرارة، والبحار هادئة، مع نسمات خفيفة جدا من الرياح. وقد استفاد أفراد الطاقم من هدوء البحر، في تبديل الشراع الرئيسي المصنوع من القماش بشراع آخر مصنوع من سعف النخيل، فضلا عن ترتيب السفينة استعدادا لوصولنا إلى بينانج الذي بات وشيكا جدا.
شاهدنا بعد ظهر اليوم ثلاثة قوارب صيد من سومطرة ، وعلى الرغم من أننا حاولنا الاتصال بهم وتحيتهم بمختلف اللغات، إلا أنهم لم يقتربوا منا. ربما اعتقدوا أننا قراصنة. على أية حال، كانت قواربهم الصغيرة مزدانة بالألوان، وكانت بعيدة جدا عن الشاطئ. ويتساءل المرء ما إذا كانوا يغامرون بالابتعاد كل هذه المسافة عن الشاطئ لتأمين كمية الأسماك التي يصطادونها يوميا.
من جانبنا، لم يكن أفراد طاقم الجوهرة محظوظين على الإطلاق في صيد الأسماك. وفي الواقع، لم نستطع إلا صيد سمكتين من السمك الطيار اللتين هبطتا مصادفة على سطح الجوهرة خلال إحدى العواصف. وربما يرجع فشلنا في الصيد إلى قصورنا كصيادين. ومن ناحية أخرى فإن عدم قدرتنا على الصيد، ربما تعود إلى سبب أكثر عمقا وإزعاجا- وهو أنه وببساطة شديدة لا يوجد أسماك يمكننا صيدها. ربما يبدو هذا القول مبررا لخيبة أملنا كصيادين ، وربما يكون في نفس الوقت هو الحقيقة التي نفضل تجاهلها. وكدليل على هذا، ينبغي علينا النظر في حقيقة أنه مع ظهور الصيد الصناعي في الخمسينات، انخفض المخزون العالمي من أنواع عديدة من الأسماك مثل سمك التونة ذي الزعنفة الزرقاء، والهامور وسمك القد بنسبة 90%، كما تضاءلت أعداد العديد من الأنواع الأخرى بنسب تتراوح من 60% إلى 80%. عندما أبحرت السفينة صحار من سريلانكا إلى ماليزيا في عام 1980، كان أفراد الطاقم يصطادون كمية جيدة من الأسماك يوميا. ونحن حاليا نبحر في نفس الطريق ولم نتمكن من اصطياد أي شيء.
إن هذا الاتجاه التنازلي في أعداد مختلف أنواع الأسماك ينطبق على الحيتان أيضا. إنها مخلوقات ضخمة وغامضة في نفس الوقت، وتعيش في عالم غريب عن عالمنا تماما، لكن تطور هذه الحيتان على مدى 65 مليون سنة لم يساعدهم في تفادي عواقب الإهمال والتهور البشري- أي تدمير مصادر غذائهم، والتلوث الكيميائي والتلوث الصوتي الذي تسببه السفن الآلية، فضلا عن الصيد الصناعي الذي يجري على نطاق واسع. قال هيرمان ميلفيل في روايته التي تحمل عنوان موبي ديك والتي نشرت في عام 1851:
“ونظرا لتلك المراقبة شبه الكاملة واللا محدودة من فوق قمم صواري سفن صيد الحيتان، التي تستطيع المرور حتى من مضيق بيرنج، والوصول إلى أبعد الأماكن والخزائن السرية في العالم، ومع استخدام آلاف الرماح والحراب في صيد الحيتان على طول كافة السواحل القارية، يتمثل موضع النقاش هنا فيما إذا كان يمكن لهذا الكائن البحري الضخم والرهيب أن يتحمل مثل هذه الملاحقة الحثيثة والمستمرة، وهذا الخراب الشديد وإلا فإنه سوف يتعرض في نهاية المطاف إلى الاندثار تماما من المياه.”
إن ما تنبأ به ميلفيل منذ 160 عاما حدث تقريبا اليوم- لقد انخفض عدد الحيتان في العالم بحوالي 65%، بل أن أعداد بعض الأنواع مثل الحوت الأزرق قد تضاءلت بنسبة 90% قبل أن يتم فرض حظر دولي على الصيد التجاري للحيتان في عام 1979. وعلى الرغم من هذا الحظر، تقول عالمة الأحياء البحرية سيلفيا إيرل إن أعداد الحيتان والمخزون السمكي في الوقت الحالي “تمثل جزء من جزء” من مستويات ما قبل العصر الصناعي. لذلك، من المؤكد أن البحارة العرب والفرس والهنود الذي أبحروا عبر هذا الطريق في القرن التاسع وجدوا محيطا زاخرا بكميات كبيرة جدا من عناصر الحياة البحرية.
كان كثيرون يعتقدون أن المخزون العالمي من الأسماك والحيتان لا يمكن أن ينضب. بيد أن ملاحظاتنا وتجربتنا على متن جوهرة مسقط تبدو وكأنها تؤكد على ما يقوله لنا العلماء منذ سنوات طويلة وهو أن مفهوم عدم نضوب الأسماك، كان ولا يزال ضرب من ضروب الخيال المأساوي الذي نصر على تجاهله بصورة تعرضنا وتعرض كوكب الأرض بأكمله للخطر.