تواضع أمام السماء
3rd March 2010
مدونة السفينة
إننا نراقب النجوم بعناية كل ليلة لأغراض الملاحة ولمعرفة مختلف البروج والكواكب
إنه يوم هادئ، حيث مازال الرياح خفيفة جدا حتى المساء عندما زادت سرعتها لتتراوح من 9 إلى 11 عقدة. استغل اريك هدوء البحر وصعد إلى الصاري المزيني لتنظيف عدسة الكاميرا. مما لا شك فيه أن الوصول إلى قمة الصاري غالبا ما ينطوي على مخاطر، لكن المرء يشعر بالسعادة عندما يشاهد منظر السفينة الفريد والبحر الشاسع المحيط بها.
إن سرعة الرياح الحالية تجعل الإبحار ممتعا حيث أننا نندفع بسلاسة والنجوم من فوقنا. ومن المثير أن تتولى دفة القيادة في وقت كهذا، وأنت تمضغ قطعة من سمك القرش المجفف، وترى أشرعة السفينة وهي مملوءة بالرياح، وتستمع إلى خرير الماء على جانبي بدن السفينة، وتنظر إلى السماوات المهيبة في الأعلى.
ومع انتقالنا إلى مناطق خطوط عرض أقل ازدادت درجات الحرارة وارتفعت نسبة الرطوبة. وبالتالي، لم يكن الجلوس في الطابق السفلي تحت سطح السفينة مريحا أبدا، لذلك، فضل عدد من أفراد الطاقم النوم على سطح الجوهرة.
إننا نراقب النجوم بعناية كل ليلة، لأغراض الملاحة من ناحية ولنتعرف على مختلف البروج والكواكب. نحن هنا في وسط المحيط، حيث لا تحيط بنا أضواء المدن، وسماء الليل صافية بشكل مذهل. ويمكن للمرء أن يلاحظ خصائص النجوم مثل درجة سطوعها وحجمها ولونها بدرجة لا يمكن تمييزها من البر. على سبيل المثال، النجم فيجا أزرق بدرجة ملحوظة، أما النجم أركتوروس فهو برتقالي، والنجم كابيلا أصفر بشكل مميز. لقد انتقلنا إلى الجنوب بدرجة كافية تمكننا من رؤية كوكبة صليب الجنوب، الذي لا يمكن مشاهدتها في خطوط العرض الشمالية. ويشير الجزء الأطول منه إلى القطب الجنوبي مباشرة.
عندما ينظر المرء إلى السماء، يشعر بصغر حجمه عندما يدرك أن الناس في قديم الزمان عرفوا عن النجوم والكواكب أكثر مما يعرفه الشخص العادي في القرن الحادي والعشرين. ومن المؤكد أن هذا ينطبق على البحار العربي في القرن التاسع.
بطبيعة الحال ، على الرغم من أننا قد لا نعرف النجوم بالاسم ولا نعرف المرحلة التي يدخلها القمر في ليلة معينة، إلا أننا في هذا العصر نعرف الكثير عن طبيعة النجوم. نحن نفهم على سبيل المثال أن النجوم هي شموس مثل شمسنا، وأنها تختلف في الحجم، من نجوم صغيرة جدا (بحجم الأرض تقريبا) إلى نجوم عملاقة (يبلغ قطرها 3000 ضعف قطر شمسنا).
لكن هناك جانبا مذهلا تتسم به سماء الليل هو تلك المسافات الشاسعة التي يصعب فهمها والتي تفصل النجوم عن بعضها. هذه المسافات تقاس بالسنوات الضوئية- أي المسافة التي يقطعها الضوء في سنة. وكما نتذكر من حصة الفيزياء في المدرسة الثانوية، يسافر الضوء بسرعة 186000 ميل (300000 كيلومتر) في الثانية. هذا يترجم إلى 6 تريليون ميل (10 تريليون كيلومتر) سنويا. وبهذا المعدل يحتاج الضوء إلى حوالي 8.5 دقيقة ليسافر من شمسنا إلى الأرض. وعلى الرغم من ذلك، فإن الضوء الذي ينتقل من النجم ألفا سنتوري وهو الأقرب من الأرض، يستغرق أربع سنوات ونصف لكي يصل إلى الأرض. وهناك العديد من النجوم التي تبعد مئات أو آلاف السنين الضوئية عن الأرض.
وبالتالي، فمن الصحيح أننا عندما نحملق في سماء الليل، فإننا نتطلع إلى الوراء إلى الضوء الذي انبعث منذ عدة عصور ولم يصل إلى الأرض إلا الآن. وهذا يعني أننا إذا استطعنا السفر على بعد 1.800 سنة ضوئية من الأرض، واستخدمنا منظار قوي للغاية لكي ننظر به إلى الوراء إلى كوكبنا، فربما نستطيع رؤية سفينة عربية مصنوعة بطريقة التشبيك يبلغ طولها 16 متر وهي تغادر جنوب الصين وعلى متنها شحنة من 60000 قطعة من الخزف الصيني.