Fahad Al Shaibi

أشتد عودي مع البحر

21st May 2010

فهد الشيبي


يحكي فهد الشيبي قصته في المساعدة في بناء الجوهرة والإبحار بها كواحد من أفراد الطاقم..

تندرج أسرتي من صور وقلهات في سلطنة عمان، لذلك كبرت واشتد عودي قرب البحر. كان والدي صيادا قبل أن يلتحق بالجيش، وكنت استمتع بالخروج معه لأشاركه في رمي الشباك. ومازلت أحب السمك، لكن الصيد الجائر أثر على البحار قبالة سلطنة عمان، لذلك تقل كمية الأسماك كثيرا اليوم عما كانت عليه منذ عشر سنوات، الأمر الذي يجعل من الصعب على الصياد كسب لقمة العيش.

عندما جاء الوقت بالنسبة لي لأقرر ما أفعله في حياتي الوظيفية، اخترت دراسة حرفة النجارة في مركز التدريب المهني في السيب. لم يكن لدي في ذلك الوقت أي اهتمام حقيقي في بناء السفن، بيد أنني بعد أن قضيت عدة سنوات في مركز التدريب المهني، قال لي أحد الأصدقاء أن هناك مجموعة من الأشخاص في قنتب يخططون لإعادة بناء سفينة عربية قديمة باستخدام طريقة تشبيك الألواح الخشبية وخياطتها ، وأنهم يبحثون عن نجارين مهرة. وكان هذا الأمر محيرا بالنسبة لي، لذلك قررت زيارة قنتب والتقيت بمدير البناء الدكتور توم فوزمر وأعربت له عن رغبتي في العمل في بناء هذه السفينة. بعد ذلك تم تعييني وبدأت العمل في بناء السفينة التي أطلق عليها اسم جوهرة مسقط.

أقول بصراحة لقد كان العمل صعبا جدا في البداية، لكنني أحببت عملي كثيرا. وأدركت أيضا أنني كنت أتعلم أشياء كثيرة كل يوم عن النجارة وبناء السفن. واستمتعت بوجه خاص بذلك التحدي المتمثل في المساعدة في بناء الصواري وأرباع الدفة الضخمة. كما تعلمت كيفية قص الأشرعة المصنوعة من القماش الثقيل.

وبعد العمل في المشروع لعدة أشهر ذهبت إلى زنجبار لمدة شهرين لكي أتعلم كيفية صنع الأشرعة التقليدية من سعف النخيل. كانت تلك هي زيارتي الأولى إلى زنجبار، وقد استمتعت كثيرا بزيارة هذه البلد الجميلة، التي لعبت دورا هاما في التاريخ العماني. أما الشيء الوحيد الذي لم يعجبني فهو أنني تعرض للإصابة بالملاريا، لكنني تعافيت بسرعة. أتمنى من كل قلبي أن أتمكن من العودة إلى زنجبار مرة أخرى- ربما على متن سفينة شراعية.

لم أفكر ولو للحظة واحدة خلال عملي في بناء جوهرة مسقط إنني سأصبح عضوا في طاقمها. لكنهم احتاجوا إلى نجارين على ظهر الجوهرة، وعندما كانت السفينة في مراحلها النهائية، سألوني عما إذا كنت أرغب في الإبحار إلى الهند. وكانت فرحتي غامرة بهذه الدعوة لأنني وقعت بالفعل في حب هذه السفينة، وعندما أصبحت عضوا في الطاقم، جمعت بين اثنين من أهم اهتماماتي ألا وهما البحر والنجارة. وكما اتضح لاحقا، لم يستطع أحد النجارين الانضمام إلى الطاقم، لذلك، طلبوا مني الإبحار ليس إلى الهند فقط ولكن في كافة مراحل الرحلة إلى سنغافورة. وقد وافقت على الفور بالطبع.

لا شك أن الرحلة تعتبر مغامرة مثيرة جدا بالنسبة لي. نعم إنها خطيرة في بعض الأوقات، وليست مريحة. كما أنني أفتقد أفراد عائلتي كثيرا، لكنني تعلمت أشياء كثيرة جدا وشاهدت الكثير من المناظر الرائعة بدرجة تجعلها تستحق المصاعب التي واجهناها. لقد شاهدت الغابات المطيرة في سريلانكا، والثعابين الخضراء الجميلة، والقرود، كل هذه الأشياء شاهدتها لأول مرة في حياتي. كما أنني أشعر أن عملي وجهدي يساعد في نجاح هذه الرحلة، وهذا شعور جيد بلا شك. على سبيل المثال، حدث أول أمس أننا كنا ننقل المياه التي غمرت سطح الجوهرة بسبب الأمطار الغزيرة والأمواج العالية، وقد تعطلت المضختين اليدويتين. وقد عملت مع أحمد البلوشي لإصلاح المضخات لكي نتمكن من إزالة المياه من السفينة، وأشعر بفخر كبير بهذه المساهمة.
عندما تنتهي هذه الرحلة، أتمنى أن أواصل العمل في تعميق معارفي وصقل مهاراتي في بناء السفن التقليدية. أود أن أبنى بدن، وباتيل، أو حتى سفينة بوم كبيرة من النوع الذي استخدمه العمانيون في الإبحار عبر المحيط الهندي. لكنني أشعر بسعادة غامرة وفخر عظيم بكوني على متن جوهرة مسقط. إنها سفينة فريدة من نوعها، ويأتي الناس لمشاهدة الجوهرة في كل المحطات التي نذهب إليها، ويلتقطون صور لها، ويسألوننا عن الإبحار بسفينة من القرن التاسع عشر. أعرف أنه مازال أمامنا شوط طويل، لكننا قطعنا نصف الطريق عبر خليج البنغال، وسنواصل بذل قصارى جهدنا كطاقم، وسنصل إلى سنغافورة في الموعد المحدد بسلامة الله.

< السابق  |   التالي >