الرياح الموسمية
28th February 2010
مدونة السفينة
قد يجد القراء أنه من المثير بل والمفيد أيضا معرفة بعض المعلومات عن أنماط الرياح التي يتسم بها المحيط الهندي- إنها الرياح الموسمية.
هدأت الأمواج العالية ورياح الليلة الفائتة القوية بحلول صباح اليوم، لكننا فرحنا جدا لدى علمنا أننا قطعنا 90 ميلا بحريا (حوالي 165 كيلومترا) بين الساعة السابعة صباح أمس والساعة السابعة صباح اليوم.
بعد تناول طعام الإفطار الذي اشتمل على الخبز والعدس، بدأ أفراد الطاقم في تنفيذ مختلف المهام المنوطة بهم. قام فريق مراقبة الميسرة بتنظيف جوف السفينة بسكب 70 جركن من مياه البحر فيه، مما ساعد في إيجاد بيئة نظيفة على متن السفينة وأعطانا الفرصة لاختبار المضخات الاحتياطية.
وفي وقت لاحق من الصباح، أجرينا تمرين غير معلن على عملية انتشال الغريق، وناقشنا بعد ذلك مختلف الطرق التي تساعد في تحسين استجابتنا لأي طارئ. أما القضية الأهم التي شغلتنا اليوم، فتمثلت في ابتكار نظام أفضل لإخراج شخص مغشي عليه من قارب الإنقاذ ونقله إلى ظهر الجوهرة.
ظهر القمر بدرا كاملا في السماء وسط هذا الهواء النقي- وكان ساطعا بدرجة حولت ظلمة الليل إلى نهار.
أشار العديد من المشاركين في مدونة السفينة إلى قضية الرياح (وهذا هو الموضوع الأكثر شيوعا في المناقشات التي تدور فيما بين البحارة). لهذا السبب قد يجد القراء أنه من المفيد أن يعرفوا بعض المعلومات عن أنماط الرياح التي يتسم بها المحيط الهندي- إنها الرياح الموسمية.
الرياح الموسمية شيء فريد في محيطات العالم، وهي في الأساس رياح نصف سنوية تهب من الجنوب الغربي خلال الفترة بين مايو وسبتمبر، وتهب من الشمال الشرقي خلال الفترة من نوفمبر إلى مارس. وعلى الرغم من حدوث تباين كبير في بعض الأحيان من حيث بدء الرياح الموسمية ونهايتها، إلا أنها منتظمة بوجه عام. وبالتالي، فإن هذا التغير الدراماتيكي المتوقع في اتجاه الرياح ساعد البحارة في الإبحار بنجاح بين منطقة جنوب شبه الجزيرة العربية والهند لحوالي 5000 عام تقريبا. لذلك، ومن حيث التاريخ، يمكن القول بأن المحيط الهندي هو أقدم محيطات العالم.
قام البحارة العرب القدامى بدراسة الرياح الموسمية بعناية فائقة، وسجلوا ملاحظاتهم وتجاربهم في مخطوطات مفصلة. وحيث أن الرياح الموسمية كانت تعتمد على مواسم الرياح، فإن ذلك يعني أن السنة القمرية لا تكون فعالة بالنسبة للملاحة البحرية. ولهذا السبب، ابتكر البحارة القدامى تقويما بحريا على أساس 365 يوما في السنة، تبدأ في الأول من يناير. ويتم تحديد كافة الأيام التالية برقمها المحدد في التقويم. وحيث أنهم كانوا على علم بأن الفترات الانتقالية بين مختلف المواسم يمكن أن تتغير، عمد البحارة العرب إلى ترك هامش كبير للسلامة عند التخطيط لرحلاتهم. كتب البحارة العربي المعروف أحمد بن ماجد خلال القرن الخامس عشر قائلا:
“إن من يغادر الهند في اليوم المائة (أي الثاني من مارس) هو شخص عاقل، ومن يغادر في اليوم المائة وعشرة سوف يكون على ما يرام. أما من يغادر في اليوم المائة والعشرين، فإنه يوسع نطاق الاحتمالات، وبالنسبة لمن يغادر في اليوم المائة والثلاثين هو شخص عديم الخبرة ومقامر جاهل.”
استطاع البحارة العرب، من خلال تبادل المعلومات حول الرياح الموسمية مع العديد من الدول، نشر التجارة والمعتقدات الدينية والأفكار الثقافية عبر المحيط الهندي وما وراءه. ومن هذا يتضح أن فكرة العولمة الحديثة ليست بالجديدة. ومن المؤكد أن البحارة العمانيين الذين شقوا عباب البحار على متن النسخ الأصلية من جوهرة مسقط شاركوا بكل نشاط في جعل هذه الفكرة حقيقة واقعة في القرن التاسع.