Crew watching the arrival of an Indian naval vessel

الفلفل والتوابل

12th March 2010

مدونة السفينة


سفينة البحرية الهندية تقوم بزيارة ترحيبية إلى جوهرة مسقط لدى تقدمها نحو كوتشين- تلك المدينة التي تتمتع بتاريخ طويل في تجارة التوابل مع العالمين العربي والروماني.

بدأ صباح اليوم بزيارة مفاجئة لسفينة من البحرية الهندية. صعد اثنان من ضباط السفينة الهندية على متن جوهرة مسقط لتحية القبطان صالح وطاقم السفينة وتقديم بعض الهدايا من الكعك والأطعمة السريعة الهندية، والصودا المثلجة. ومن جانبه، قدم القبطان صالح بعض الهدايا من الحلوى والتمور والبخور العماني. وتبادل الطاقمان عبارات التهاني والشكر والوداع لدى عودة الضابطين الهنديين إلى سفينتهما.

يوم الجمعة أجازة على متن جوهرة مسقط، لذلك ركز أفراد الطاقم على الأعمال الأساسية الخاصة بالإبحار. بعد حالة الركود التي استمرت ليومين كاملين، شعرنا جميعا بالسعادة عندما لاحظنا ازدياد سرعة الرياح، وواصلنا الإبحار طوال اليوم تقريبا بسرعة جيدة بلغت 2 عقدة. وفي وقت لاحق من بعد الظهر، ازدادت سرعة الرياح، لكنها كانت تهب من الاتجاه المضاد، مما أجبرنا على السير في الاتجاه الجنوبي على نحو أكثر مما نريد ونحن في طريقنا إلى كوتشين. وحيث أن موعد وتاريخ وصولنا إلى كوتشين محدد سلفا، أي في الساعة الثامنة صباح الخامس عشر من مارس، فإننا سوف نحتاج إلى رياح قوية إلى حد ما خلال اليومين المقبلين إذا كان لنا أن نصل إلى الميناء في الموعد المحدد. وعلى الرغم من أننا مازلنا نكافح لكي نتفادى السير نحو الجنوب، إلا أننا نعرف من واقع التجربة أن اتجاه الرياح يمكن أن يتغير بشكل دراماتيكي خلال سويعات قليلة. لذلك، فإننا جميعا متفائلون بأننا سندخل ميناء كوتشين في وقت مبكر من صباح الاثنين المقبل.

تعد كوتشين إحدى المدن الساحلية الهامة في ولاية كيرلا، وقد لعبت دورا تجاريا واستراتيجيا حيويا منذ إنشاء الميناء في عام 1341 م. بيد أن أهمية كيرلا كولاية ضاربة في التاريخ موثقة في المصادر القديمة. أما صادرات المنطقة المعروفة، فتتضمن الأخشاب مثل خشب الساج (الذي يستخدم على نطاق واسع في بناء السفن العمانية) والأقمشة القطنية الناعمة والتوابل وبخاصة الفلفل. هناك أنواع متعددة من الفلفل الذي يزرع في ولاية كيرلا منها الفلفل الأسود، وقد طور الرومان القدماء شهية قوية لهذا المنتج الغريب في أوائل القرن الأول قبل الميلاد. تقول قصيدة تاميلية قديمة، “……في مدينة موزوريس المزدهرة (باتانام حاليا)، كان الأجانب يقومون ببناء السفن الكبيرة الجميلة، التي كانت تأتي حاملة الذهب، وتعكر صفو مياه النهر ، ثم تعود حاملة الفلفل.” وفي الواقع، اكتشف علماء الآثار كميات كبيرة من حبوب الفلفل في الموانئ الكبيرة التي كان يتحكم فيها الرومان على طول ساحل البحر الأحمر. وفي ذلك الوقت، كان الفلفل سلعة عالية القيمة لدرجة أن التاجر كان يصنع ثروة كبيرة من استيراد بضعة صناديق من فلفل كيرلا. لكن النجاح لم يكن مضمونا بأي حال من الأحوال. كثير من السفن فقدت في عرض البحر، وكان القراصنة يعتدون على السفن التي كانت تعمل في التجارة الرومانية الهندية، كما أن اللصوص كانوا يهاجمون قوافل الجمال التي كانت تحمل الفلفل والسلع الهندية الأخرى عبر صحراء مصر الشرقية. أما الفلفل الذي كان يصل إلى العالم الروماني، فكان يستخدم في الطبخ وكان يقدم كقرابين لآلهة الرومان. على سبيل المثال، أكتشف علماء الآثار كميات كبيرة من حبوب الفلفل في معبد سيرابيس وبيرينيكي في مصر في القرن الأول الميلادي، ويبدو أنه كان يتم حرق الفلفل ضمن الطقوس الدينية.

والآن، وعلى مدى أكثر من ألفي سنة، تنتج كيرلا واحدا من أهم التوابل في التاريخ. وعندما تتوقف الجوهرة في ميناء كوتشين للراحة، سوف ينخرط طاقمها في أحد الأنشطة التي كانت مألوفة لدى البحارة اليونانيين والرومان والصينيين والعرب القدامى- حيث يستكشفون واحدا من أشهر أسواق التوابل في كيرلا بحثا عن أنقى وأروع أنواع الفلفل في العالم.

< السابق  |   التالي >