Adam Al Baluchi at the helm

الحياة في عرض البحر

5th March 2010

آدم البلوشي


إننا نأتي من عدة دول مختلفة، لكننا نشكل فريقا واحدا بقلب واحد ونساعد بعضنا البعض لكي نبذل قصارى جهدنا.

أنا من قرية بطحاء هلال التي تبعد حوالي 100 كيلومترا شمال غرب السيب. والدي كان يشتغل بالتجارة، واعتاد أن يبحر على متن السفن الشراعية التقليدية العمانية المعروفة باسم “البوم” في كل أنحاء المحيط الهندي لأغراض التجارة. وأتذكر أنه كان يحكي لنا الكثير من الحكايات عن البحرين وبلوشستان والهند وزنجبار . أما سفن “البوم” التي كان والدي يبحر على متنها، فكانت في غاية الجمال، ومازلت أتذكر كم كان مثيرا أن نشاهد تلك السفن وهي تبحر. تجدر الإشارة إلى أن العديد من تلك السفن بنيت في صور، ومازال بعض أفراد عائلتي يعيشون هناك.

كانت حياة والدي كتاجر مثيرة للغاية لكنها كانت صعبة أيضا. لم يكن الإبحار بالعمل السهل لأن السفن كانت مزدحمة بالبضائع الركاب، وعندما تأتي الرياح القوية يكون الإبحار خطيرا. لكن لحسن الطالع، لم تتعرض سفن والدي لأي مشاكل خطيرة في عرض البحر. هذا بفضل الله طبعا.

لقد ترعرعت، بطبيعة الحال، بالقرب من البحر، وكنت دائما أعشق السباحة والصيد والإبحار وركوب البحر بعد انتهاء الدراسة وفي فصل الصيف. وعندما كبرت، قررت الانضمام إلى البحرية السلطانية العمانية لأنني كنت أعتقد أن الحياة ستكون جميلة وكانت كذلك بالفعل. ثم التحقت بطاقم سفينة شباب عمان العظيمة في عام 1994، وسافرت إلى العديد من الدول من بينها اليونان والبرتغال وفرنسا.

أعتقد أن أفضل سفرياتي التي أتذكرها جيدا كانت عندما قمت بزيارة نورماندي لحضور مراسم الاحتفال بذكرى تلك المعركة التي دارت رحاها هناك أثناء الحرب العالمية الثانية. وعندما مشيت على طول الشاطئ أدركت تماما أن هذا الشاطئ ليس كغيره من الشواطئ الأخرى التي أعرفها. فبدلا من ممارسة الألعاب الصاخبة، والشواء، شاهدت آلاف الناس يمشون ببطء على طول الساحل الرملي الواسع، ويتحدثون إلى بعضهم بهدوء شديد. كما شاهدت المقبرة الضخمة بالقرب من الشاطئ حيث دفن كافة الجنود الذين لقوا حتفهم في تلك المعركة في عام 1944. شواهد القبور بيضاء ومنظمة بشكل أنيق، ويبدو أنها ستبقى إلى الأبد. لقد ذكرني شاطئ نورماندي بأن الحرب شيء فظيع، وأتمنى من الله أن لا يتعرض أطفالي لشيء كهذا أبدا.

قررت الانضمام إلى طاقم جوهرة مسقط عندما علمت أن صالح الجابري سوف يكون قبطانها. لقد عملت مع القبطان صالح على متن سفينة سباب عمان، وأنا أكن له احترام شديد لمعرفته الكبيرة بالبحر ومهاراته في القيادة. لذلك، بمجرد ما اتصل بي القبطان صالح لدعوتي للإبحار معه على متن هذه السفينة الرائعة قبلت على الفور. كما أنني معجب جدا بالدكتور توم فوزمر لتوجيهاته السديدة في بناء السفينة ولدي ثقة كبيرة فيه. إن الدكتور فوزمر رجل عظيم لأنه أعطى الكثير من وقته وجهده في مساعدة سلطنة عمان في إعادة اكتشاف تقاليدها البحرية على الرغم من أنه أسترالي. شارك الدكتور فوزمر في بناء السفينة “صحار” والإبحار بها إلى الصين عام 1980، كما شارك مؤخرا في بناء جوهرة مسقط لكي نتمكن من الإبحار بها إلى سنغافورة. ومما لا شك فيه أن لهذه الرحلة أهمية كبيرة لأنها سوف تساعد في تعزيز علاقات الصداقة والتعاون مع سنغافورة. كما أنها تذكر العمانيين والعالم أجمع بالدور الكبير الذي لعبته سلطنة عمان في التاريخ البحري. لذلك، أنا فخور جدا لكوني عضوا في طاقم الجوهرة.

إننا نأتي من عدة دول مختلفة، لكننا نشكل فريق واحد بقلب واحد ونساعد بعضنا البعض لكي نبذل قصارى جهدنا. لقد أعطتني بلدي الكثير من الأشياء العظيمة طوال حياتي، لذلك، يسعدني كثيرا أن أبذل ما في وسعي لكي نحقق النجاح لهذا المشروع من أجل سلطنة عمان. لكن ما يؤلمني بحق هو أننا لن نبحر بجوهرة مسقط بعد وصولها إلى سنغافورة.

< السابق  |   التالي >